سورة المائدة - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)}.
التفسير:
{يا أَهْلَ الْكِتابِ} هى دعوة عامة إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
{قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} هو بيان لما يحمله الرسول- صلوات اللّه وسلامه عليه- إلى أهل الكتاب من حق يصححون به ما أخفوا من أحكام الكتاب الذي في أيديهم، وما غيّروا وبدّلوا.. وأن كثيرا مما أخفوه وحرّفوه قد تجاوز القرآن الكريم عنه، وترك الخوض معهم فيه، حتى لا يدخل معهم في طريق طويل من الخلاف والجدل، وإنما كان الذي اهتم له القرآن الكريم، ووقف عنده، هو ما كان من الأصول العامة في العقيدة، وهو ما يتصل بالألوهية، وعزلها عن كل ما دخل على مفهومها من ضلال وبهتان.. هذه هى قضية الإسلام الأولى، فإذا استقامت استقام كل شيء بعدها.
وقوله تعالى، {قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ} هو وصف لهذا الكتاب الكريم، وما يحمل إلى الناس من {نور} هو نور الحق، المهدى من السماء، لينير للناس سبلهم إلى اللّه، وليبدّد الظلام الذي يحجبهم عن الرؤية الصحيحة للحق والهدى.
ووصف الكتاب بأنه نور، ثم وصفه بأنه كتاب مبين، هو غاية ما يمكن أن تكون عليه دعوة الحق في جلالها، ووضوحها، وإشراق شمسها، وأن من لا يرى الحق في وجه هذه الدعوة، ولا يتناوله منها، هو أعمى أو متعام، ليس لدائه دواء، {وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [81: النمل].
وقوله سبحانه: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} سبل السلام هى طرق الحق، التي يأمن سالكها من كل عطب، ويسلم من كل سوء.. وهى مفعول به لقوله تعالى: {يَهْدِي}.
و{مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ} مفعول ثان له.. والمعنى أن اللّه سبحانه يهدى بهذا الكتاب إلى سبل السلام من اتبع رضوان اللّه، وابتغى مرضاته، فجاء إليه مستشفيا من دائه، مستطبّا لعلته، مستهديا لبصره وبصيرته.. أما من أعرض مستكبرا، ولوى وجهه جاحدا، فهو وما اختار لنفسه: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} [17: فصلت].
قوله تعالى: {وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
هو بيان لفضل اللّه ولطفه بعباده الذين يوجهون وجوههم إليه.. إذ كانت عناية اللّه إلى جوارهم، تمسك بهم على الطريق، وتسدد خطاهم إلى الغاية التي يجدون عندها الأمن والسلام.
وفى قوله تعالى: {قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا} وفى إضافة الرسول إلى اللّه بضمير المتكلم، تكريم للرسول الكريم، وتمجيد له، وتعظيم لشأنه، ولشأن ما يحمل بين يديه من ربّه، من هدى ونور.


{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}.
التفسير:
وإذا كان النصارى- من أهل الكتاب- لم يعرفوا الداء الذي يكمن فيهم، وما يحمل إليهم القرآن من شفاء- فها هو ذا القرآن يضع يده على موضع الداء منهم.
إن جعلهم اللّه هو المسيح بن مريم، هو أصل الداء.. فما كان للّه أن يولد من رحم امرأة، وأن تكون نسبته إليها.
إن الإله الذي يتصور على تلك الصورة، هو إله هزيل، لا تلده إلا عقول لا تعرف جلال اللّه وعظمته، وقدرته.
وأين المسيح الإله وقوته وقدرته، أمام قوة اللّه وقدرته؟
إن أراد اللّه أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا.. فمن يقف لهذه الإرادة، أو يردّ عليها ما أرادت، أو بعض ما أرادت؟
ألم تمت أمّ المسيح؟
وإذا كان في المسيح شك أنه لم يمت بعد، فهل من شك في أنه سيموت؟
لقد مات الأصل، وهو أمّه. فهل يبقى الفرع، وهو المسيح ابنها؟
وقوله تعالى: {يَخْلُقُ ما يَشاءُ} دفع لاعتراض قد يقيم شبهة عند من يرفعون المسيح عن مستوى البشرية إلى مرتبة الألوهية، فإن ميلاده من غير أب- هذا الميلاد الذي يثير في النفس تساؤلات وتصورات- ليس الصورة الفريدة فيما خلق اللّه وأبدع من مخلوقات.. من ملائكة وجنّ وشياطين، وكواكب.. فأى إنسان مهما عظم هو ضئيل بالنسبة لأى مخلوق من تلك المخلوقات.. فإذا نظرنا إلى المسيح في صورته، وجدناه كائنا بشريا، في خلقته وفى سلوكه.. كان جنينا، ثم طفلا، ثم صبيا، ثم شابا، ثم رجلا.
وأكثر من هذا، فإن أتباعه أماتوه صلبا، ثم دفنوه بأيديهم في التراب بعد أن حملوه على أيديهم جثة هامدة! ثم لقد كان له ما للناس في هذه الحياة.. يأكل، ويشرب، وينام، ويصحو، ويبول ويغوط، ويفرح، ويحزن.. إلى غير ذلك مما يجرى على الناس! فأىّ شيء يخرج المسيح من الإنسانية إلى مقام الألوهية؟ ألأنه ولد من غير أب؟
إنه ليس أول من ولد من غير أب؟ إن الذي خلق الأب وخلق الأم لا يعجزه أن يخلق خلقا من غير أب ولا أم.. {يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
إن غرابة المخلوق في ميلاده، أو في شكله، ولونه، وطوله، وعرضه.
إن دلّت على شيء فإنما تدل على قدرة الخالق، لا أن تكون مزلقا إلى الكفر باللّه، والتعلق بالغريب العجيب مما صنعت يداه! فإن ذلك هو الضلال والسّفه، إذ كيف يتشابه الخالق والمخلوق، ويختلط الصانع بالمصنوع!؟


{وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)}.
التفسير:
مما يفسح لأهل الضلال في ضلالهم، ويمدّ لهم في حبل الغواية، أن يتمنوا على اللّه الأمانىّ، وأن يجدوا في هذه الأمانى الباطلة، تعلّة يتعللون بها، وسرابا خادعا يجرون وراءه.
ولقد قامت لكل من اليهود والنصارى دعوى على اللّه، بأنهم أبناؤه وأحباؤه.
فاليهود يقولون نحن أبناء اللّه وأحباؤه.
والحق أنهم ما كانوا إلا أبناء لأهوائهم، وإلا أحباء لشهواتهم.. أمّا اللّه الذين يدّعون عليه هذه الدعوى، فهم أعداؤه وحرب عليه.
إن اليهود قد بدلوا كلمات اللّه وحرفوها، فآذوا رسله، وقتلوا أنبياءه فكيف تستقيم مع هذا دعواهم بأنهم أبناؤه وأحباؤه؟
والنصارى قد ألبسوا اللّه هذا الثوب البشرىّ، وداروا به في الأرض دورة قاسية، يتلقى بها اللطمات واللعنات، ثم ينتهى به الأمر معلقا على خشبة بين لصّين! وقد ردّ اللّه عليهم هذا الادعاء الكاذب، وسلكهم جميعا- اليهود والنصارى- مسلكا واحدا، إذ كان طريقهم على الضلال واحدا.. فقال تعالى: {فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ؟} أي إن كنتم أبناء اللّه حقا وأحباءه صدقا، فلم تغرقون في الإثم، وتموجون في الخطيئة، وتلقون في النار؟
إن أبناء اللّه وأحباءه، لا يخرجون عن طاعته، ولا يمكرون بآياته! وفى قوله تعالى: {يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} ما يقطع بأنهم معذبون، وأن هذا العذاب إنما استحقوه بما كسبت أيديهم، شأنهم في هذا شأن كل من يكذب باللّه ويخرج عن طاعته! وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} فلا محاباة لأحد عند اللّه، ولا كرامة لإنسان عنده، إلا بالعمل الصالح.
وفى قوله تعالى: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ} إشارة إلى أن اللّه عبادا أرادهم للجنة فعملوا لها، واستحقوا مغفرته ورضوانه، وعبادا أرادهم للنار فعملوا لها، فوقعوا تحت نقمته وعذابه.
يروى عن عمر بن الخطاب وقد سئل عن قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا} فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عنها فقال: «إن اللّه عز وجل لمّا خلق آدم، مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح على ظهره واستخرج منه ذريته فقال: هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8